فصل: قال القرطبي:

صباحاً 0 :5
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
18
الخميس
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الوقوف:

{الملك} م لأن إذ ليس بظرف لإيتاء الملك. {ويميت} لا لأن {قال} عامل، إذ {وأميت} ط، {كفر} ط، {الظالمين} لا، للعطف بأو التعجب. {عروشها} ج لأن ما بعده من تتمة كلام قبله من غير عطف. {موتها} ج لتمام المقول مع العطف بفاء الجواب والجزاء {بعثه} ط. {كم لبثت} ط. {يوم} ط. {لم يتسنه} ج وإن اتفقت الجملتان لوقوع الحال المعترض بينهما، ومن وصل حسن له الوقف على {حمارك} بإضمار ما يعطف عليه قوله: {ولنجعلك} أي لتستيقن ولنجعلك، ومن جعل الواو مقحمة لم يقف. {لحما} ط لتمام البيان {له} لا لأن {قال} جواب لما. {قدير} O {الموتى} ط {تؤمن} ط. {قلبي} ط. {سعيًا} ط، لاعتراض جواب الأمر {حكيم}. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى ذكر هاهنا قصصًا ثلاثة: الأولى: منها في بيان إثبات العلم بالصّانع، والثانية والثالثة: في إثبات الحشر والنشر والبعث، والقصة الأولى مناظرة إبراهيم صلى الله عليه وسلم مع ملك زمانه وهي هذه الآية التي نحن في تفسيرها فنقول:
أما قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ} فهي كلمة يوقف بها المخاطب على تعجب منها، ولفظها لفظ الاستفهام وهي كما يقال: ألم تر إلى فلان كيف يصنع، معناه: هل رأيت كفلان في صنعه كذا.
أما قوله: {إِلَى الذي حَاجَّ إبراهيم في رِبّهِ} فقال مجاهد: هو نمروذ بن كنعان، وهو أول من تجبر وادعى الربوبية، واختلفوا في وقت هذه المحاجة قيل: إنه عند كسر الأصنام قبل الإلقاء في النار عن مقاتل، وقيل: بعد إلقائه في النار، والمحاجة المغالبة، يقال: حاججته فحججته، أي غالبته فغلبته، والضمير في قوله: {فِى رِبّهِ} يحتمل أن يعود إلى إبراهيم، ويحتمل أن يرجع إلى الطاعن، والأول أظهر، كما قال: {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونّى في الله} [الأنعام: 80] والمعنى وحاجه قومه في ربه. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ}.
هو النُّمْروذ بن كوش بن كنعان بن سام بن نوح مِلك زمانه وصاحبُ النار والبَعُوضَة! هذا قول ابن عباس ومجاهد وقَتادة والرّبيع والسُّدِّي وابن إسحاق وزيد بن أسلم وغيرهم.
وكان إهلاكه لما قصد المحاربة مع الله تعالى بأن فتح الله تعالى عليه بابًا من البَعُوض فستروا عين الشمس وأكلوا عسكره ولم يتركوا إلا العظام، ودخلت واحدة منها في دماغه فأكلته حتى صارت مثل الفأرة؛ فكان أعز الناس عنده بعد ذلك من يضرب دماغه بمطرقة عَتيدَة لذلك، فبقي في البلاء أربعين يومًا.
قال ابن جُريج: هو أوّل ملِك في الأرض.
قال ابن عطية: وهذا مردود.
وقال قتادة: هو أوّل من تجبّر وهو صاحب الصَّرْح ببَابِلَ.
وقيل: إنه ملك الدنيا بأجمعها؛ وهو أحد الكافرينْ؛ والآخر بُخْتَنَصَّر.
وقيل: إن الذي حاجّ إبراهيم نمروذ بن فالخ بن شالخ بن أرفخشد بن سام؛ حكى جميعه ابن عطية.
وحكى السهيليّ أنه النمروذ بن كوش بن كنعان بن حام بن نوح وكان ملكًا على السواد وكان ملّكه الضحاك الذي يعرف بالازدهاق واسمه بيوراسب بن أندراست وكان ملك الأقاليم كلها، وهو الذي قتله أفريدون بن أثفيان؛ وفيه يقول حبيب:
وكأنه الضّحّاك من فَتَكاتهِ ** في العالمين وأنْتَ أفْرِيدُونُ

وكان الضحاك طاغيًا جبّارًا ودام ملكه ألف عام فيما ذكروا. وهو أوّل من صلب وأوّل من قطع الأيدي والأرجل، وللنمروذ ابن لصلبه يسمى كوشا أو نحو هذا الاسم، وله ابن يسمى نمروذ الأصغر. وكان ملك نمروذ الأصغر عامًا واحدًا، وكان ملك نمروذ الأكبر أربعمائة عام فيما ذكروا. اهـ.

.قال ابن عاشور:

والذي حَاجّ إبرهيم كافر لا محالة لقوله: {فبهت الذي كفر}، وقد قيل: إنّه نمرودُ بن فالخ بن عابر بن شالح بن أرفخشد بن سام بن كوش بن حام بن نوح، فيكون أخا رَعو جدِّ إبراهيم.
والذي يُعتمد أنّه ملك جبّار، كان ملكًا في بابل، وأنّه الذي بنى مدينة بابل، وبنى الصرح الذي في بابل، واسمه نمرُود بالدال المهملة في آخره ويقال بالذال المعجمة، ولم تتعرّض كتب اليهود لهذه القصة وهي في المرويات. اهـ.

.قال أبو حيان:

{في ربه} يحتمل أن يعود الضمير على ابراهيم، وأن يعود على النمروذ، والظاهر الأول. اهـ.

.قال القرطبي:

وفي قصص هذه المحاجّة روايتان: إحداهما أنهم خرجوا إلى عيد لهم فدخل إبراهيم على أصنامهم فكسرها؛ فلما رجعوا قال لهم: أتعبدون ما تنحتون؟ فقالوا: فمن تعبد؟ قال: أعبد ربي الذي يُحْيي ويُمِيت.
وقال بعضهم: إن نمروذ كان يحتكر الطعام فكانوا إذا احتاجوا إلى الطعام يشترونه منه، فإذا دخلوا عليه سجدوا له؛ فدخل إبراهيم فلم يسجد له، فقال: مالك لا تسجد لي! قال: أنا لا أسجد إلا لِرَبِّي.
فقال له نمروذ: من ربك!؟ قال إبراهيم: ربي الذي يحيي ويميت.
وذكر زيد بن أسلم أن النمروذ هذا قعد يأمر الناس بالمِيَرة، فكلما جاء قوم يقول: من ربكم وإلهكم؟ فيقولون أنت؛ فيقول: مِيروهم.
وجاء إبراهيم عليه السلام يمتار فقال له: من ربك وإلهك؟ قال إبراهيم: ربي الذي يحيي ويميت؛ فلما سمعها نمروذ قال: أنا أُحيي وأُميت؛ فعارضه إبراهيم بأمر الشمس فبُهِتَ الذي كفر، وقال لا تَمِيروه؛ فرجع إبراهيم إلى أهله دون شيء فمرّ على كَثِيبِ رملٍ كالدقيق فقال في نفسه: لو ملأت غِرَارتيّ من هذا فإذا دخلت به فرح الصبيان حتى أُنظر لهم، فذهب بذلك فلما بلغ منزله فرح الصبيان وجعلوا يلعبون فوق الغِرارتين ونام هو من الإعْيَاء؛ فقالت امرأته: لو صنعتُ له طعامًا يجده حاضرًا إذا انتبه، ففتحت إحدى الغرارتين فوجدت أحسن ما يكون من الحُوَّارَى فخبزتْه، فلما قام وضعته بين يديه فقال: من أين هذا؟ فقالت: من الدقيق الذي سُقتَ.
فعلم إبراهيم أن الله تعالى يسر لهم ذلك.
قلت: وذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي صالح قال: انطلق إبراهيم النبيّ عليه السلام يمتار فلم يقدر على الطعام، فمرّ بسِهْلَة حمراء فأخذ منها ثم رجع إلى أهله فقالوا: ما هذا؟ فقال: حنطة حمراء؛ ففتحوها فوجدوها حنطة حمراء، قال: وكان إذا زرع منها شيئًا جاء سنبله من أصلها إلى فرعها حَبًّا متراكبًا.
وقال الرّبيع وغيره في هذا القصص: إن النمروذ لما قال أنا أُحيي وأُميت أحضر رجلين فقتل أحدهما وأرسل الآخر فقال: قد أحييت هذا وأمت هذا؛ فلما ردّ عليه بأمر الشمس بُهِتَ.
وروي في الخبر: أن الله تعالى قال: وعزَّتي وجلالي لا تقوم الساعة حتى آتي بالشمس من المغرب ليعلم أني أنا القادر على ذلك.
ثم أمر نمروذ بإبراهيم فأُلقِيَ في النار، وهكذا عادة الجبابرة فإنهم إذا عورضوا بشيء وعجزوا عن الحجة اشتغلوا بالعقوبة، فأنجاه الله من النار، على ما يأتي.
وقال السدي: إنه لما خرج إبراهيم من النار أدخلوه على الملك ولم يكن قبل ذلك دخل عليه فكلمه وقال له: من ربك؟ فقال: ربي الذي يحيي ويميت.
قال النمروذ: أنا أُحيي وأُميت، وأنا آخذ أربعة نفر فأدخلهم بيتًا ولا يطعمون شيئًا ولا يسقون حتى إذا جاعوا أخرجتهم فأطعمت اثنين فحييا وتركت اثنين فماتا.
فعارضه إبراهيم بالشمس فبُهِت. اهـ.

.قال الألوسي:

{أنٍ آتاه الله الملك} أي لأن آتاه الله تعالى ذلك فالكلام على حذف اللام وهو مطرد في أن، وإن وليس هناك مفعولًا لأجله منصوب لعدم اتحاد الفاعل، والتعليل فيه على وجهين: إما أن إيتاء الملك حمله على ذلك لأنه أورثه الكبر والبطر فنشأت المحاجة عنهما، وإما أنه من باب العكس في الكلام بمعنى أنه وضع المحاجة موضع الشكر إذ كان من حقه أن يشكر على ذلك فعلى الأول: العلة تحقيقية، وعلى الثاني: تهكمية كما تقول: عاداني فلان لأني أحسنت إليه. اهـ.

.قال في الميزان:

قوله تعالى: {أن آتاه الله الملك}، ظاهر السياق: أنه من قبيل قول القائل: أساء إلى فلان لأني أحسنت إليه يريد: أن إحساني إليه كان يستدعي أن يحسن إلى لكنه بدل الإحسان من الإساءة فأساء إلى، وقولهم: واتق شر من أحسنت إليه، قال الشاعر:
جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر ** وحسن فعل كما يجزى سنمار

فالجملة أعني قوله: أن آتاه الله الملك بتقدير لام التعليل وهي من قبيل وضع الشيء موضع ضده للشكوى والاستعداء ونحوه، فإن عدوان نمرود وطغيانه في هذه المحاجة كان ينبغي أن يعلل بضد إنعام الله عليه بالملك، لكن لما لم يتحقق من الله في حقه إلا الإحسان إليه وإيتائه الملك فوضع في موضع العلة فدل على كفرانه لنعمة الله فهو بوجه كقوله تعالى: {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا} القصص- 8، فهذه نكتة في ذكر إيتائه الملك.
وهناك نكتة أخرى:
وهي: الدلالة على رداءة دعواه من رأس، وذلك أنه إنما كان يدعي هذه الدعوى لملك آتاه الله تعالى من غير أن يملكه لنفسه، فهو إنما كان نمرود الملك ذا السلطة والسطوة بنعمة من ربه، وأما هو في نفسه فلم يكن إلا واحدا من سواد الناس لا يعرف له وصف، ولا يشار إليه بنعت، ولهذا لم يذكر اسمه وعبر عنه بقوله: {الذي حاج إبراهيم في ربه}، دلالة على حقارة شخصه وخسة أمره. اهـ.

.قال الفخر:

أما قوله: {أَنْ آتاه الله الملك} فاعلم أن في الآية قولين:
الأول: أن الهاء في آتاه عائد إلى إبراهيم، يعني أن الله تعالى آتى إبراهيم صلى الله عليه وسلم الملك، واحتجوا على هذا القول بوجوه الأول: قوله تعالى: {فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم مُّلْكًا عَظِيمًا} [النساء: 54] أي سلطانًا بالنبوّة، والقيام بدين الله تعالى والثاني: أنه تعالى لا يجوز أن يؤتي الملك الكفار، ويدعي الربوبية لنفسه والثالث: أن عود الضمير إلى أقرب المذكورين واجب، وإبراهيم أقرب المذكورين إلى هذا الضمير، فوجب أن يكون هذا الضمير عائدًا إليه والقول الثاني: وهو قول جمهور المفسرين: أن الضمير عائد إلى ذلك الإنسان الذي حاج إبراهيم.
وأجابوا عن الحجة الأولى بأن هذه الآية دالة على حصول الملك لآل إبراهيم، وليس فيها دلالة على حصول الملك لإبراهيم عليه السلام.
وعن الحجة الثانية بأن المراد من الملك هاهنا التمكن والقدرة والبسطة في الدنيا، والحس يدل على أنه تعالى قد يعطي الكافر هذا المعنى، وأيضًا فلم لا يجوز أن يقال: إنه تعالى أعطاه الملك حال ما كان مؤمنًا، ثم أنه بعد ذلك كفر بالله تعالى.
وعن الحجة الثالثة بأن إبراهيم عليه السلام وإن كان أقرب المذكورين إلا أن الروايات الكثيرة واردة بأن الذي حاج إبراهيم كان هو الملك، فعود الضمير إليه أولى من هذه الجهة، ثم احتج القائلون بهذا القول على مذهبهم من وجوه الأول: أن قوله تعالى: {أَنْ آتاه الله الملك} يحتمل تأويلات ثلاثة، وكل واحد منها إنما يصح إذا قلنا: الضمير عائد إلى الملك لا إلى إبراهيم، وأحد تلك التأويلات أن يكون المعنى حاج إبراهيم في ربه لأجل أن آتاه الله الملك، على معنى أن إيتاء الملك أبطره وأورثه الكبر والعتو فحاج لذلك، ومعلوم أن هذا إنما يليق بالملك العاتي، والتأويل الثاني أن يكون المعنى أنه جعل محاجته في ربه شكرًا على أن آتاه ربه الملك، كما يقال: عاداني فلان لأني أحسنت إليه، يريد أنه عكس ما يجب عليه من الموالاة لأجل الإحسان، ونظيره قوله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذّبُونَ} [الواقعة: 82] وهذا التأويل أيضًا لا يليق بالنبي فإنه يجب عليه إظهار المحاجة قبل حصول الملك وبعده.
أما الملك العاتي فإنه لا يليق به إظهار هذا العتو الشديد إلا بعد أن يحصل الملك العظيم له، فثبت أنه لا يستقيم لقوله: {أَنْ آتاه الله الملك} معنى وتأويل إلا إذا حملناه على الملك العاتي.
الحجة الثانية:
أن المقصود من هذه الآية بيان كمال حال إبراهيم صلى الله عليه وسلم في إظهار الدعوة إلى الدين الحق، ومتى كان الكافر سلطانًا مهيبًا، وإبراهيم ما كان ملكًا، كان هذا المعنى أتم مما إذا كان إبراهيم ملكًا، ولما كان الكافر ملكًا، فوجب المصير إلى ما ذكرنا.
الحجة الثانية:
ما ذكره أبو بكر الأصم، وهو أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم لو كان هو الملك لما قدر الكافر أن يقتل أحد الرجلين ويستبقي الآخر، بل كان إبراهيم صلى الله عليه وسلم يمنعه منه أشد منع، بل كان يجب أن يكون كالملجأ إلى أن لا يفعل ذلك، قال القاضي هذا الاستدلال ضعيف، لأنه من المحتمل أن يقال: إن إبراهيم صلى الله عليه وسلم كان ملكًا وسلطانًا في الدين والتمكن من إظهار المعجزات، وذلك الكافر كان ملكًا مسلطًا قادرًا على الظلم، فلهذا السبب أمكنه قتل أحد الرجلين، وأيضًا فيجوز أن يقال إنما قتل أحد الرجلين قودًا، وكان الاختيار إليه، واستبقى الآخر، إما لأنه لا قتل عليه أو بذل الدية واستبقاه.
وأيضًا قوله: {أنا أحيي وأميت} خبر ووعد، ولا دليل في القرآن على أنه فعله، فهذا ما يتعلق بهذه المسألة. اهـ.